[size=18][size=21]ذكر الامام ابن القيِّم رحمه الله تعالى في كتابه الجواب الكافي عشر فوائد لغض البصر :
الأولى: أنه امتثال لأمر الله
الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده ، وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من
امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى ، وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره ،
وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره .
الثانية: أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم إلى قلبه والذي لعل فيه هلاكه .
الثالثة: أنه يورث القلب أنسا بالله و يجمعة على الله
فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ، ويبعده من الله ، وليس على العبد شيء أضر
من إطلاق البصر فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه .
الرابعة: أنه يقوي القلب ويفرحه ، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه .
الخامسة: أنه يكسب القلب نورا كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة
ولهذا ذكر الله آية النور عقيب الأمر بغض البصر ،
فقال : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم
ثم قال اثر ذلك : الله نور السموات والأرض ، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح
أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه ، وإذا استنار القلب
أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب
كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان ، فما شئت من بدعة
وضلالة واتباع هوى ، واجتناب هدى ، وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب
الشقاوة ، فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب ، فإذا فقد ذلك النور بقي صاحبه
كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام .
السادسة: أنه يورث الفراسة الصادقة
التي يميز بها بين المحق والمبطل ، والصادق والكاذب ، وكان شاه بن شجاع يقول :
من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة ، وغض بصره عن المحارم ، وكف
نفسه عن الشهوات ، واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة
وكان شجاع هذا لا تخطئ له فراسة .
السابعة: أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة ، ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة
وسلطان القدرة والقوة
كما ورد في الأثر : الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله
وضد هذا تجده في الذي يتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها ،
كما قال الحسن : إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين ، فإن ذل المعصية
لا يفارق رقابهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه
وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته والذل قرين معصيته
فقال تعالى : ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين
وقال تعالى : ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين
وقال تعالى : من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه
أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح
الثامنة: أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب
فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي
فيمثل له صورة المنظور إليه ويزينها ، ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ، ثم يعده ويمنيه
ويوقد على القلب نار الشهوة ، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون
تلك الصورة
فيصير القلب في اللهب ، فمن ذلك تلد الأنفاس التي يجد فيها وهج النار ، وتلك الزفرات
والحرقات ، فإن القلب قد أحاطت به النيران من كل جانب ، فهو وسطها كالشاة في وسط التنور
التاسعة: أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بها وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك
ويحول بينه وبينها فتنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه
قال تعالى : ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا
وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة التي ذكرت بالاية .
العاشرة: أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما بما يشغل به الآخر ،
يصلح بصلاحه ويفسد بفساده
فإذا فسد القلب فسد النظر ، وإذا فسد النظر فسد القلب ، وكذلك في جانب الصلاح ،
فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد ، وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات
والقاذورات والأوساخ ، فلا يصلح لسكنى معرفة الله ومحبته والإنابة إليه ، والأنس به
والسرور بقربه ، وإنما يسكن فيه أضداد ذلك . [/size][/size]